شاهيرا, 19 عاماً, فتاة مصرية تعيش في أمريكا. لم يبق على وصولها إلى الإسكندرية عند خالتها سوى يوم واحد وتريد أن تستغل عطلة نصف العام ,الأولى من نوعها هذه ,كما ينبغي للعطل أن تُستَغل. قررت أن تزور بيت جدتها الذي هو ليس ببعيد في منطقة تسمى كليوباترا على الكورنيش, ولأن الجو دافيء والشمس اليوم ساطعة والسماء صافية, أدركت أن هذا اليوم مثالي لركوب الدراجات.
التقمت شاهيرا دراجة إبن خالتها وفتحت باب الشقة وهي تهم بالخروج, سمعت خالتها صوت الباب فنادت عليها "شاهيرا! هل هذا أنت؟" ردت شهيرة "نعم, أنا ذاهبة لبيت تيتة, لن أتأخر" , ردت عليها خالتها "طيب ,خدي بالك من نفسك".
نزلت إلى الشارع ومشت تجر الدراجة بجانبها حتى وصلت إلي نفق المشاة الذي ستعبر عن طريقه إلي الكورنيش, في البداية لم تلاحظ شاهيرا رمقات الناس إليها في الشارع ونظراتهم المستغربة أو العابثة, ولكنها بدأت تدرك أنها مجذب لانتباه البعض عندما كانت تمشي داخل النفق وسمعت صفارة مدوية , تبعتها صفافير كثيرة من شباب كان قد بدأ للتو في دخول النفق.
ل.م. طالبة بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية, الفرقة الثانية : " كتير أوي بيبقى في مضايقات في الأنفاق بتاعة المشاة في اسكندرية, دايما بسمّي قبل ما أدخل النفق, ودايما بستنى حد يدخل قبلي عشان أدخل وراه , أخاف أدخله لوحدي, ويا ريت إلي يدخل قبلي ده يبقى واحدة ست أو راجل كبير"
كانت شاهيرا ترتدي ما تراه مناسبا لركوب الدراجة, بنطلون سكيني, كوتشي كونفرس المفضل لديها, وسويت شيرت بزنط, تحتيه فانلة
مكتوب عليها
I <3 Egypt
لم ترتدِ ذلك البنطلون لكي يتحدث جهرا عن مؤخرتها المثالية أو قوامها الممشوق, ولم ترتدِ ذلك السويت شيرت لكي يترجم انفتاحها الأخلاقي أو لكي يرسل رسائل معينة للشباب الهيجان... كانت على سجيتها تماما, فالأمر غير مؤذي إطلاقا حتى في أكثر الدول إنتشارا للجريمة ,أمريكا... فما بالك بمصر بلد الأمن والأمان
هـ.ر. طالبة بكلية الصيدلة بجامعة عين شمس, الفرقة الرابعة: "قبل ما بنزل من البيت بعمل حساب المعاكسة,عارفة أنهي شارع فيه قهوة مثلا ومش بمشي فيه, ولو هروح الكلية مشي هلبس إيه, ولو هروح بالعربية هلبس إيه, يعني ممكن مثلا لبس مش وحش, وعادي يعني, بس لأ مينفعش تمشي بيه في الشارع لمسافات طويلة"
بمجرد أن خرجت شاهيرا من الطرف الآخر للنفق, هرعت بركوب الدراجة وانطلقت مسرعة في البداية لكي تبتعد عن هؤلاء الشباب قدر الإمكان. طوال طريقها على الكورنيش لم تسلم من همزات كلام وغمزات أعين المارّين أو المتريضين على الكورنيش من الشباب, شعرت وكأنها جسم غريب في كيان أغرب! مثل الفايرس عندما يدخل بين خلايا النسيج.
ربما تعجبت في بادئ الأمر من رد فعل هؤلاء الشباب, لا يخلو أي مكان من المعاكسات, حتى الجادة التي تسكن فيها في ولاية كاليفورنيا, ولكنها لاحظت أن الشيء زاد عن حده المتعارف عليه في البيئة التي اعتادتها, وكلما فكرت في السبب, زادها التفكير خوفاً واشمئزازا.
ع.ج. طبيبة مصرية تعمل في إحدى الدول الأوروبية: "في مصر, أنا شخصيا أشعر بقرف وغثيان ورغبة في القيء في وجه من يتحرش بي وأتخيل نفسي باخصيه بسكّينة جراحية لكي أشعر بالسَكينة... مع أني في أوروبا- اللي يقعد يقول لك منحلة ومزفتّة- لا أخاف من التواجد في الشارع حتى في الساعة ٢ بالليل لوحدي"
تابعت شاهيرا طريقها وقد عكّرت المعاكسات صفو الجو والوقت اللذان تمنت أن تستمتع بهما, تابعت طريقها في تجّهم وسخط شديديْن ,لا يكاد الشخص يلمح وجهها حتى يراهما واضحيْن, في لحظة ما انتابها القلق من أن يكون تجنب المضايقات قد شغلها عن وجهتها, وأنها قد تكون تخطت بيت جدتها على الكورنيش, لم تلبث أن رأت فتاتان محجبتان تجلسان على احدى الكراسي العامة على الكورنيش فهرعت إليهن لتسألهن أين هي الآن بالضبط.
في البداية بدا الأمر طريفاً, أخيرا ستتحدث مع إنسان سويّ يستمع إليها دون أن يرمقها بمثل تلك النظرات العاتية أو التعليقات السخيفة, التي أبهرتها سخافتها حقاً. بعد ثانيتين أدركت أن هاتين الفتاتين هما ضحايا الرغبة في قراءة كتاب والإستمتاع بمنظر البحر في آن واحد. نظرت في أعينهن ورأت تلك النظرة اليائسة الساخطة أيضاً.. سألتهم عن مكان كافيتريا ما, تلك التي تميز بها الشارع الذي تسكن فيه جدتها, أجابتا أنهما لا تعرفان. لم تميّز تعليقات الشباب الجديدة بين من يحمل الكتب ومن يجر الدراجة,وكذلك لم يميز الضيق والسخط بين مشاعر الثلاثة, كانت تعلم بالضبط أي شعورٍ يشعرن, مثلها تماما, وكانت تعلم بالضبط ما يدور في أذهانهن, مثلها تماماً, وكأنها إذا سألتهم سؤالا تعرف بالضبط كيف ستكون الإجابة, ولكنها لم تسمع الإجابة أبدا.
أ.س. طالبة بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية, الفرقة الإعدادية: "لأ مستحيل أمشي عالكورنيش لوحدي أو في جروب من صحباتي أقل من 10 هاها... غير المعاكسات كمان ساعات بشوف مناظر غير متوقعة من الكابلز إللي بيبقوا قاعدين عالصخر مثلا"
أ.م. معيدة بقسم اللغة العربية بكلية الآداب, جامعة حلوان: "لأ طبعاً في مصر مش من حق أي بنت إنها تمشي في الشارع مبتسمة, أو ماسكة ورد, أو تقعد تقرأ كتاب في حالها... المصريين ميقدروش يشفوها بترتكب الجرائم دي ويسكتولها"
قررت شاهيرا أن تمشي وراء حدسها وتستمر في نفس الإتجاه قليلا, بعد قليل رأت مستشفى القوات المسلحة, فتذكرت أن بيت جدتها لم يأت بعد, تذكرت فعلا أن عليها أن تعبر ذلك المستشفى لتصبح قريبة جدا من بيت جدتها... عبرت بالفعل وأصبحت المستشفى خلفها ومضت دقائق في طريقها, ولكنها لم تجد تلك الكافيتيريا بعد, ينتابها الشك, هل حقا كان الوصول إلي الكافيتريا يستغرق ذلك الوقت من بعد المرور بالمستشفى؟ أو ربما لا توجد تلك الكافيتريا بعد الآن... ربما تغيرت الكثير من معالم الإسكندرية في ثمان سنوات لم تطأ فيها أرض مصر. قررت أن تخوض تجربة السؤال للمرة الثانية.
تلك المرة ربما خفق قلبها لوهلة عندما وقعت عيناها على رجل ذو لحية, تعرف أنه مسلم محافظ, يسمعون عنهم في أمريكا طوال الوقت, ويقابلون بعضهم أحيانا,بالطبع هؤلاء ليسوا إرهابيين كما يظن معظم الأمريكان.هم يتميزون بأخلاقهم الحميدة, ويشهد لهم من يتعامل معهم من الأمريكان بذلك أيضاً... أسرعت شاهيرا نحوه بالدراجة وقالت له "لو سمحت م..." إندهشت أنه فور أن لمحها تعكر وجهه ونظر إلي الأرض وتمتم ببعض الكلمات التي لم تفهمها... إندهشت فعلا من قلّة ذوق هذا الشخص, كيف أنه حتى لم يرد عليها بكلمة واحدة, بل لم يسمح لها أن تقول له كلمة واحدة.
ل.ك. ربة منزل مصرية تعيش في احدى الدول الأوروبية: "في ألمانيا يستقبلنا شيخ المسجد بابتسامة عريضة ويلقي علينا السلام, وبيسألنا عن حالنا, ودايما بيبوس جبهة بنتي دعاء وبياخدها من إيدها ويناديها (إبنتي)... في مصر لما بنعدي الشارع قدام شيوخ بيتجنبوا يبصولنا أصلا وبيستغفروا ربنا, أكنهم شافوا المُنكر ماشي على شكل بني آدم"
الآن أصبحت شاهيرا لا تفهم شيئاً, أي قوانين يتبعها هذا المجتمع, وأي ذوق لم يدركه هذا المجتمع, كانت دائما تسمع قصصا من والديها أن الشعب المصري أبو الذوق والجدعنة, ولكنها الآن تأكدت أن هذا الكلام كان مبالغ فيه, وربما أكذوبة, الواقع يشير تماما إلى عكس ذلك... لا تعلم أي جريمة ارتكبتها لكي تواجه هذا العقاب.
كلمة الكاتب:
في الحقيقة لم أكتب هذا الكلام لعرض الحلول, ولكن هدفي الأساسي هو إدراك المشكلة, ولعل إدراك المشكلة هو أول خطوة لإدراك الحلول. ربما تبدو للبعض أنها مشكلة ثانوية, سببها ضعف الإيمان, أو حلها غض البصر, ربما. ولكن ما يؤرقني حقا أن مثل هؤلاء المتحرشين بالشوارع, وكأنهم قضبان منتصبة بلا واقيات ذكرية, منتهكون لحريات الأشخاص وهم لا يدركون, فكيف إذا أأمن أن أشاركهم الشارع, أو المقهى أو وسيلة المواصلات... أو حتى في لحظات بناء الوطن, كيف لنا أن نأمن أن نشارك عقليات تتحكم بها هرمونات ,صناديق الإقتراع؟
كل ما أتمناه هو أن تعود مصر حامية لحقوق مواطنيها وكرامتهم.
ل.م. " نفسي مصر تتخلص من كل الجهل إلي فيها والشعب يتخلص من الكبت إلي عاش فيه 30 سنة"
أ.م. " نفسي مصر يعيش فيها مواطنين عندهم كرامة وبيصونوا كرامة الآخرين"
ل.ك. " نفسي مصر ترجع زي زمان لما مكانش في حاجة اسمها تحرش, شوف صور أهالينا كانوا لابسين هدوم قصيرة ساعات وساعات من غير حجاب, ومكانش في حاجة اسمها تحرش"
أ.س. " نفسي الشعب المصري يبقى أرقى شعوب العالم, أكيد في يوم لازم نبقى كدة"